الشَّهـادةُ في سبيلِ الله.. منحةٌ إلهيةٌ وحظٌّ عظيم

عمران نت – متابعات – 19 جمادى الأولى 1444هـ

ضمن سلسلةِ دروسه «من هدي القرآن الكريم» تركّز حديث الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- في درس ”ملزمة“: “محياي ومماتي لله” والذي ألقاه بتاريخ 26/7/2002 م حول موضوع نذر الحياة والموت لله، وأهميّة استثمار الموت الذي يعتبر مصيرًا لا بديلَ عنه، وذلك من خلال الظفر بالشهادة في سبيل الله.

 

سنعرض الجزئياتِ التي تطّرق -رضوانُ الله عليه- خلالَها لهذا الموضوع ونحن ما زلنا نعيشُ أجواءَ الذكرى العظيمة بعظمة أصحابها، وهي الذكرى السنوية للشهيد.

 

 

 

أسمى وأهمُّ الغايات «رضوان الله».

 

افتتح درسَه -عليه السّلام- بالتذكير بالغاية المهمة التي يجب أن ينشدها ويسعى لها كُـلّ إنسان لا سِـيَّـما طلاب العلم قائلًا: «الغاية المهمة التي يجب أن ينشدها الإنسان من كُـلّ عمل صالح هي: أن يحظى برضا الله سبحانه وتعالى، أن يحصل على رضوان من الله سبحانه وتعالى.. هذه هي الغاية المهمة وهذا هو المطلب الكبير الذي يجب أن ينشده كُـلّ مسلم؛ لأَنَّ تحت هذا الخير كله في الدنيا وفي الآخرة، وفي أن يحصل على رضوان الله في الدنيا يرعاه الله سبحانه وتعالى، يحوطه بعنايته يوفقه يدافع عنه يرشده يسيِّر الخير للناس على يديه».

 

 

 

  • ثمارُ الحصول على رضوان الله في اليومِ الآخر

 

رضوانُ الله من أكبرِ المكاسِبِ للإنسان إذَا ما كانت نظرتُه قرآنيةً ويدركُ الغايةَ من وجوده، وثماره يقطفها في الدنيا ولا تضيع عنه في الآخرة، ومن تلك الثمار في اليوم الآخر، يقول -عليه السلام-: «ومن يحظى برضوان الله سبحانه وتعالى يموت سعيداً، ويبعث سعيداً آمناً يوم القيامة، ويحاسب حساباً يسيراً، ويأمن في الوقت الذي يخاف فيه خوفاً شديداً معظم البشر، عندما يكونُ من أولياء الله، وأولياءُ الله هم من قال عنهم: {أَلا أن أولياء اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (يونس: ٦٢) فيدخل الجنة في رضوان الله ويحظى في ذلك المقام الرفيع والنعيم العظيم بالنعمة الكبرى التي هي رضوان الله».

 

 

 

كيفيةُ الحصول على رضوان الله من خلال العمل

 

من البديهي بالرجوع إلى المنهجية القرآنية أن الطريق الوحيد للحصول على رضوان الله لا يكون إلَّا من خلال العمل وليس بالاعتقادات الجازمة أَو الإيمَـان القلبي الجامد، ولكن أي عمل؟، يجيب -رضوان الله عليه- بقوله: «عندما نكون متأكّـدين أن العمل الذي نسير فيه أن العلم الذي نطلبه هو فعلاً المنهج الذي رسمه الله سبحانه وتعالى لعباده».

 

 

 

مَـا المطلوب منّا لنحظى برضوان الله ونحن طلاب علم؟

 

عنوانٌ مهمٌّ لكل من يرى نفسه طالبًا للعلم وفي موقع تقديمه للآخرين، ويعتبر نفسه أنموذجًا في هذا السبيل، ومما لا شك فيه أننا جميعاً في ساحة الحياة الدنيا طلابٌ نسعى لمعرفة وتعلُّم مختلف العلوم والمعارف، في هذا السياق نأخذ جواب هذا العنوان من لسان الشهيد القائد -عليه السلام-، حيث قال: «فإذا كنا نريد من طلب العلم أن نحظى برضوان الله سبحانه وتعالى فمعنى ذلك أن تتجه أولاً إلى معرفة الله بشكل كافٍ، نتعرف على الله بشكل كافي، نحن معرفتنا بالله سبحانه وتعالى قاصرة جِـدًّا، معرفتنا بالله سبحانه وتعالى قليلة جِـدًّا بل وفي كثير من الحالات أَو في كثير من الأشياء مغلوطة أَيْـضاً ليس فقط مُجَـرّد جهل بل معرفة مغلوطة، نتعرف على الله ثم نتعرف على أنفسنا أَيْـضاً في ما هي علاقتنا بالله سبحانه وتعالى نرسخ في أنفسنا الشعور بأننا عبيد لله، نعبِّد أنفسنا لله».

 

 

 

المعنـى الفعليُّ للعبودية لله وطريقها

 

لطالما مررنا بتعاريفَ ومفاهيمَ عديدة لما تعنيه العبودية لله، لكنها كانت عبارة عن عبارات جمّدت الكيان الإنساني الذي أُنيطت به مسؤولية خلافة الأرض وإعمارها، بمعنى أن العبودية مفهومٌ عمليٌّ يتوجّب تجسيدُه واقعًا، وأما عما تتطلبه العبوديةُ الحقيقيةُ لله فيقول -عليه السّلام-: «وأن يعبِّد الإنسان نفسه لله معناه في الأخير أن يسلِّم نفسه لله، فيكون مسلِّما لله ينطلق في كُـلّ عمل يرضي الله؛ باعتباره عبداً لله هَمُّه أن يحصل على رضوان الله، ويتعامل مع الله سبحانه وتعالى؛ باعتباره هو مَلِكَه وإلهه وسيده ومولاه، في هذه الحالة يكون الإنسان أقرب ما يكون إلى الإخلاص، وفي هذه الحالة يكون الإنسان قد رسم لنفسه طريقاً يسير عليه هو نفسه الذي أمر الله به رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما قال له: {قُلْ أن صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أول الْمُسْلِمِينَ}».

 

 

متطلباتُ نَــــذْرِ الحياة لله

باعتبارنا عبيدًا لله، وهي إحدى غاياتِ المؤمنين الواعين أن ينذروا حياتَهم لله، ولكن كيف يمكن أن يتحقّقَ لهم هذا المطلب الإيمَـاني المُلزم؟، يجيب -عليه السلام- قائلًا: «لا يتحقّق للإنسان أن تكون حياته لله إلَّا إذَا عرف الله أولاً، وعبَّد نفسه لله ثانياً، حينها سيرى أن هناك ما يشده إلى أن تكون حياته كلها لله، سيرى بأنه فخر له: أن ينذر حياته كلها لله، سيرى نفسه ينطلق في هذا الميدان برغبة وارتياح أن ينذر حياته لله فتكون حركته في الحياة، تقلباته في الحياة مسيرته في الحياة كلها؛ مِن أجل الله وعلى هدي الله وإلى ما يحقّق رضا الله سبحانه وتعالى».

 

متى يكونُ موتُ الإنسان لله

 

الشهادةُ في سبيل الله وحدَها من تحقّق هذا المطلب لمن يسعى له، مطلب أن يكون الممات لله، ووحدَها من تفتح باب الحياة الأبدية للإنسان، وما دونَها مماتٌ حتى البعث والنشور، يقول -عليه السلام-: «أن يكون موت الإنسان لله هو عندما يجنّد نفسه لله سبحانه وتعالى، عندما يطلب الشهادة في سبيل الله، عندما يستعد للشهادة في سبيل الله، عندما يكون موطِّنًا نفسَه أن يموتَ في سبيل الله.. لا أتصور معنًى آخرَ يمكن أن يحقّق للإنسان أن يكون موتُه لله إلَّا على هذا النحو وليس فقط أن يكون مستعدًّا، بل يسعى لأن يكون موته في سبيل الله، بأن يحظى بالشهادة في سبيل الله، وهذه هي صفة القرآن الكريم جعلها من الصفات اللازمة للمؤمنين أن لديهم هذا الشعور هو الشعور نفسه الذي نتهرب منه، هو الشعور نفسه الذي قد ينصحنا حتى بعض المتدينين به [بطِّل ما لك حاجة إمش على شغلك وعملك…] إلى آخره».

 

الشَّهادةُ في سبيل الله بوابةٌ إلهية جسّدت عِظَمَ وسِعَةَ رحمة الله بعباده

تعددت مظاهرُ رحمة الله بعباده، ونِعَمُه لا تحصر ولا تحصى؛ ولأنّهُ الرّحمن الرّحيم جعل من سننه فرصاً للتقرّب إليه والعلو في سلّم كمال الإيمَـان، حَيثُ فتح إمْكَانية استثمار الموت، وهو سُنَّةُ كُـلّ إنسان سيتعرض له في كتاب وأَجَلٍ معلوم، ترك فرصة لعباده بجعله بوابةً للنفاد إلى الحياة..!

 

يوضّح -رضوان الله عليه- بقوله: «من رحمة الله سبحانه وتعالى الواسعة بعباده -وهو يفتح أمامهم المجالات الواسعة والمتعددة لما يحصلون من ورائه على رضوانه وعلى ما وعد به أولياءَه- فتح أمام الإنسان إمْكَانية أن يستثمرَ حتى موتَه الذي هو حتميةٌ لا بد منها، قضيةٌ لا بد منها لكل إنسان سواءٌ أكان براً أَو فاجراً كَبيراً أَو صغيراً لا بد أن يموت، فَـإنَّ الله لرحمته بعباده فتح أمامَ الإنسان هذا البابَ العظيم، وهو إمْكَانيةُ أن يستثمرَ موتَه على أعلى وأرقى درجة، أعلى وأرقى درجة.. فعندما يكون لدى الإنسان هذا الشعور: نذر حياته لله ونذر موته لله فهو فعلًا من استثمر حياته، استثمر موته، استفاد من حياته، استفاد من موته، جعل حياته وموته كلها عملاً في سبيل تحقيق رضوان الله سبحانه وتعالى وأن يحظى بالقرب منه وأن يفوز بالنعيم الذي أعده لأوليائه».

 

 

الموتُ سُنَّةٌ حتميةٌ ونهايةٌ جعلت منه الشَّهادة مِنحةً وبدايةً

يتساءل الشهيد القائد مستنكرًا على من لا يستغلون فرصة استثمار موتهم، مع علمهم بأن الموت سيصل إليهم عاجلًا أم آجلًا، فيقول: «عندما يفكر أي واحد منا، وينظر إلى أنه هل فعلاً سيموت؟ كُـلّ واحد منا متأكّـد من أنه سيموت، إذاً فلماذا، لماذا؟ إذَا كان الله سبحانه وتعالى قد جعل حتى الموت مما يمكن أن تستفيد منه لماذا لا يستفيد كُـلّ واحد منا من هذا الموت الذي لا بد أن يهجم عليه؟ سواء طال به العمر أَو قصر!. كان بالإمْكَان أن يكون الموت قضية عادية، هي نهاية لا يرتبط بها شيء في ذاتها لا يمكن أن تستثمر، لكن الله سبحانه وتعالى الرحيم بعباده الرحيم بأوليائه جعل الموت على هذا النحو».

 

بيعُ النَّفـس من الله ليست مغامرةً خاسرةً بل تجارةٌ رابحةٌ وفوزٌ عظيم

يؤكّـدُ -عليه السلام- أن الله -جلّ شأنه- لا يمكن أن يزُجَّ بعباده فيما هو شَــرٌّ وخسارة لهم، كما أن الشهادة ليست قراراً اتخذه الإنسان لنفسه، بل مكافَأَةٌ من الله لمَن صدق معه، فيقول: «ما معنى رؤوف بهم؟ أنه يعني: حصل هذا منهم وهو لا يريده منهم وإنما هكذا غامروا بأنفسهم وإلا فهو رؤوف بهم لا يريد أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه من شراء أنفسهم منه وبيع أنفسهم ابتغاء مرضاته؟!، إن الرأفة والرحمة بالإنسان تتحقّق بأن الله يفتح أمامه مجالات واسعة ومتعددة ليحصل على القرب منه، ليحظى بالقرب منه، ليحظى برضوانه، ليحظى بالنعيم الدائم في الجنة، ليحظى بالسعادة الأبدية في الجنة، هذه هي الرحمة، إضافةً إلى مظاهر الرحمة في الدنيا التي تتحقّق للإنسان في هذه الدنيا وهي كثيرة جِـدًّا».

 

الهروبُ من الشَّهادة في سبيل الله (حماقـة)..!

قضيةُ الموت مسألة مفروغٌ منها لدى جميع البشر، مسلمين وغيرهم، ويعتبرُ الشهيد القائد أن من الحماقة لمن يخافه أن لا يسعى للشهادة التي ستقيه مخافتَه، فيقول: «وهذه القضية إذَا تأملها الإنسان سيرى بأنها قضيةٌ من الحماقة أن لا تحصل لدى أي إنسان منا، من الحماقة أن لا يكون أي مؤمن قد نذر موته لله لماذا؟؛ لأَنَّ الموت قضية لا بد منها أليس كذلك؟ الموت قضية لا بد منها، وستموت إما بالموت الطبيعي أَو تموت على يد أعداء الله إذَا كان الأمر على [هذا النحو فقد يكون الخوف لدى] بعض الناس ليس لتصوير الألم، ليس لاستشعار أن هناك ألماً، وإنما لاستشعار أنه يريد أن يبقى حَيًّا، يتشبث بالحياة، يحس بالحياة، لا يريد أن يدخل في غيبوبة مطلقة».

التَّهـرُّبُ من الحياةِ الأبديّة (خسارةٌ حقيقية)

اللهُ -سبحانه وتعالى- أمرنا في كتابه الكريم بأن لا نشُكَّ ولا يأتي في حسباننا بأنَّ الشهداء أموات؛ لأَنَّه قد منحهم حياةً أبديةً ورزقاً كريماً منه، على ضوء الآية الكريمة الآتية من سورة آل عمران 169 يشير الشهيد القائد (ع) إلى أن الخسارة الحقيقية أن يتهرب الإنسان من حياة ارتضاها الله لأوليائه، فيقول: «فالمسألة إذًا أن الله سبحانه وتعالى قد منح الشهيد الحياةَ الأبدية منذ أن تفارق روحُه جسدَه عندما قال سبحانَه وتعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران: ١٦٩). إذًا فالخسارةُ الحقيقيةُ هي: أن يكونَ الإنسان متهرِّباً من الحياة الأبدية، إذَا كنت تخافُ من الموت، فَـإنَّ المفترَضَ منك هو أن تكون ممن يحرص على أن يكون حياً فلا يدخل في غيبوبة مطلقة من بعد أن تفارق روحه جسده، ستكون حياً».

سبيلان لا ثالثَ لهما: (سبيل الله) أَو (سبيل أمريكا)

مخطئٌ من يختارُ لنفسه طريقَ الحياد الذي لا وجودَ إلَّا لسرابه الذي يخدع صاحبَه به ليصرفه عن الحق ويجرّهُ إلى طريق الباطل؛ لأَنَّه لو نظر الإنسانُ نظرةً موضوعية للواقع لوجد ميدانَه مفتوحاً وواسعاً ومليئاً بالأحداث التي تتطلب منه أن يختار أحدَ الخيارين (حق أَو باطل)، أحداثٌ يعيشها في كُـلّ موقع يكون فيه على وجه الأرض، وهنا ضرب مثل لقول الشهيد القائد: «إما أن يكون الإنسان قد رسم لنفسه أن تكونَ حياتُه وموته لله، وإلا فستكون حياته وموته؛ مِن أجل أمريكا، هذه القضية الشبابُ مقبلون عليها، ستكونُ ممن ينذر حياتَه لأمريكا وأنت في معسكر فتكلف أن تخرج ضمن حملة على منطقة معينة يقال: فيها إرهابيون! أَو تكـون أنت معلِّمٌ ممن يُجَمِّـدُ الناس، ويهدّئ الناس، ويثبّط الناس، ألستَ هنا تعملُ لمصلحة أمريكا؟ أَو تكون أَيْـضاً ولستُ معلماً وأنت إنسانٌ عادي ينطلقٌ من فمك كلمةٌ مع هذا، وكلمة مع ذاك: [بَطِّلْ ما لنا حاجة با تكلفوا علينا لاحظ ما حصل في أفغانستان]! أليس هذا العمل الذي يؤدي بالناس إلى القعود إلى الخنوع، أليس خدمةً للأعداء؟ فتكون أنت قد نذرت حياتك في سبيل أمريكا، وستموت في سبيل أمريكا، يكون موتك خدمة لأمريكا؛ لأَنَّه لم يكن موتك مؤثراً عليها».

روحيةٌ يجبُ أن يحملها المؤمنون المجاهدون في سبيلِ الله

 

للشهيد القائد في الجزئيةِ الآتية حديثًا مهمًّا لكل مجاهد في سبيل الله، تذكيرٌ وتنبيهٌ يجب أن يُؤخَذَ بعين الاعتبار من واقعيته القرآنية وحتميته في الحصول على التأييد والتوفيق الإلهي، حَيثُ قال -عليه السلام-: «ولا يمكنُ للمؤمنين أن يعلوا كلمةَ الله، ولا أن يكونوا أنصاراً لله، ولا أن يكونوا بشكلِ أُمَّـة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ما لم يكن لديها هذا الشعورُ هو: أَنَّهم نذروا حياتَهم وموتَهم لله، هو أنهم يريدون أن يموتوا في سبيلِ الله».

 

 

 

صحيفة المسيرة| هنادي محمد

 

 

مقالات ذات صلة