دَوَّامَةُ الفِتَنِ والاِحْتِرَابْ

عبدالرحمن الأهنومي

تطل على المحافظات الجنوبية دورة صراع دموية خامسة ربما تكون هي الأعنف منذ سقوط المحافظات الجنوبية تحت الاحتلال الإماراتي السعودي البريطاني الأمريكي المتداخل مع بعضه أحيانا والمتصارع أحيانا أخرى ، ومع الدعوات التي وجهها المجلس الانتقالي- فصيل المرتزقة التابع لدويلة الإمارات لعقد ما أسماه مؤتمر الحوار الجنوبي الجنوبي- ظهرت دعوات معارضة للمؤتمر من فصائل المرتزقة التابعين لمملكة العدوان السعودية ، وحتى من الأدوات التي باتت مستهدفة من السعودية وما زالت تعمل لصالحها ، وأعني بها جماعة الإخوانج ومليشياتها التي تشتغل لصالح السعودية في مواجهة الإمارات في الوقت الذي تتلقى فيه ضربات كبيرة من مملكة العدوان السعودية ، علاوة على تكوينات محلية في المحافظات الجنوبية ، تدعو لمقاطعة الحوار الذي يهدف إلى إكمال معركة السيطرة التي بدأها مرتزقة الإمارات منذ سنوات على حساب بقية فصائل الارتزاق.

 

ما يؤسف حقا، أن الأوضاع في المحافظات الجنوبية باتت كرمال متحركة ، فلا الحال مستقر للأدوات التي تمولها الإمارات وتدعمها ، ولا الحال كذلك للتوليفة التي شكلتها الرياض قبل عام برئاسة المرتزق العليمي وخلطت فيها قادة فصائل الارتزاق والعمالة على تنوع مشاربهم وتعارض شعاراتهم، بين دعاة الانفصال والانسلاخ من اليمن إلى مسمى الجنوب العربي ، وبين دعاة التقسيم والتفتيت لليمن إلى يمنات الأقاليم الاتحادية.

 

وداخل كلا الفريقين فرق شتى متناقضة ومتصارعة ، فلكل فرقة تصوراتها حول الدولة الانفصالية مثلا ، ففرقة تريدها جنوبا عربيا وأخرى تريدها يمنا انفصاليا- كما كان حال جمهورية اليمن الديمقراطية- وفرق أخرى تريد أن تصبح عدن وما جاورها دولة بذاتها ، وفي حضرموت دولة أخرى ، وبالتأكيد ستكون المهرة دولة ثالثة ، والضالع رابعة وهكذا ستدور رحى الشرذمة والتمزق وستصل إلى كل قرية ومنزل.

 

والحال كذلك لدى هواة «اليمن الاتحادي» ، أي اليمن المقسم إلى أقاليم وكانتونات ، ففي التسمية تريد فرقة من هؤلاء أن تصبح التسمية «اليمن الفيدرالي» ، وأخرى تريدها أن تكون «اليمن الاتحادي» ، وفي الشكل تريد فرقة أن تكون اتحادية أو فيدرالية من ثلاثة أقاليم ، وأخرى تريدها خمسة أقاليم ، وثالثة تريدها ستة أقاليم ، وكل فرقة لديها تصور للإقليم وكيف يجب أن يكون وفي مواجهة خصوم كل فرقة تضع لكل إقليم خصومه ، وتضع له تعريفه وهويته ، وكل هؤلاء يدورون في فلك بريطانيا وأمريكا وأدواتهما الإقليمية السعودية والإمارات ، وينفذون على قدم وساق ما يريده الأعداء دون أي تراجع.

 

في ما يخص المحافظات الجنوبية المحتلة التي يلهث مرتزقة دويلة الإمارات إلى وصمها بدولة الجنوب العربي ، فبمجرد فصلها عن اليمن ستصبح رمادا متطايرا في الهواء ، ولن يبق جنوباعربي ولا جنوب يمني ، ولا جنوب لأحد ، ستنقسم أثلاثاً وأرباعاً وأخماساً على بعضها ، وستحترب حتى يصل دخانها إلى القرن الأفريقي ، والواقع يشهد بذلك.

 

وماذا عن تعز التي تخضع للمليشيات المتعددة، ثم ماذا عن الساحل الغربي الذي يبسط المرتزق طارق عفاش فيه السيطرة، وماذا عن مارب أيضا ، هل ستكون هذه دول متجاورات بعواصم وحكومات مستقلة عن بعضها، أم أنها تتبع مجلس العار المشكل من زعماء العصابات العميلة برئاسة العليمي ، ثم ما هو شكل إدارتها ، وهل لها جيش واحد أم جيوش متعددة ومليشيات محتربة ومتصارعة؟!.. الإجابة على كل هذه الأسئلة لا تحتاج إلى عناء بحث وتأمل ، فالواقع يشهد على أن ما هو قائم هي توليفات مليشاوية عميلة ، يجمعها الارتزاق والقتال ضد اليمن وفي سبيل العدوان الأجنبي ، تسالم بعضها حين يأمرها العدوان بذلك ، وتحترب وتتناحر حين يأمرها بذلك ، وتعمل كأدوات أجيرة تموت وتفنى في سبيل العدوان الأجنبي وفي خدمته.

 

وحال زعماء العصابات لا يختلف عن حال المشهد العام المنقسم على بعضه أخماسا وأسداسا ، فطارق عفاش أنشأ لنفسه كيانا أسماه بالمكتب السياسي ، وجيشا موازيا يطلق عليه «حراس الجمهورية» وأحيانا المقاومة الوطنية، وهو يعتبر نفسه قائد الجميع ومحرر الأصقاع كلها ، والزبيدي ينظر بالعين نفسها إلى نفسه وله ما لعفاش الصغير من مليشيات ومقرات ومكاتب ، أما الإخونج فلهم تشكيلاتهم المتوازية نفسها ولهم مكاتبهم وتنظيماتهم ، وكلهم يتربصون ببعضهم الشر ويحملون العداوات والبغضاء والخصومة ، وكلهم يريدون دولا وجيوشا وحكومات ومكاتب ومقرات ويمنا يحكمونها ، والعليمي مجرد صورة ظاهرية للخبر والذكرى.

 

هذه التشكيلات والمليشيات والجيوش العميلة والمقاومات السعودية والإماراتية والألوية والعمالقة ودرع الوطن وداعش والقاعدة وطارق عفاش والزبيدي ودرع عدن وأبين ودروع شبوة وجيوش الساحل وغيرها من المسميات ، ليست شرعية ولا جيشا وطنيا ولا بطيخات ، إنها مجرد ترسانة من العملاء متعددة المهام والخدمات لصالح العدوان الأجنبي ولا علاقة لليمن بها ، وهي خطر ماحق على كافة اليمنيين ، وما من مخرج لأحد من هذه الرحى العاصفة التي يدور في فلكها هؤلاء الرخاص المارقون ، إلا بإنهاء هذه النتوءات المليشاوية والعصابات العميلة وطردها ، لتبقى اليمن وعاصمتها صنعاء، وجيشها المؤمن المجاهد الذي يقاتل عنها ، وهو ما تعمل عليه قيادتنا الوطنية في صنعاء وستحرز النصر بإذن الله.

 

العدوان يسعى إلى إغراق المحافظات المحتلة في الجنوب والشرق وفي الساحل الغربي وتعز، في دوامة الاحتراب الدموي ، ويعمل على تكريس التجزئة ، وعلى تجزئة المقسم وتفتيته على قاعدة فرق تسد ، ولا مأمن لأحد لا في عدن ولا في حضرموت ولا في تعز ولا في غيرها إلا بدحر الاحتلال ومرتزقته ، وستتكرر في عدن دورات العنف والحروب ما دامت محتلة وغير عدن كذلك ، الأمل في أن يتحرك الشعب اليمني جميعا تحت لواء القيادة الوطنية في صنعاء لتحرير كل اليمن ، وذلك هو السبيل الذي سيقضي على المليشيات المتناحرة ، وهو ما سيحقق الأمن والاستقرار ، وسيبني الدولة اليمنية للجميع ، وسيوفر الخدمات والتنمية ، أما بالعصابات وسواطير العدوان فلن يكون إلا الخراب ومزيداً من العنف والاحتراب.

 

 

مقالات ذات صلة