العنب اليمني تاريخ عريق.. ومستقبل واعد

عمران نت – تقارير – 16 محرم ١٤٤٣هـ

محمد صالح حاتم *

اشتهرت اليمن بزراعة وإنتاج أجود أنواع العنب منذ القدم؛ وذلك لما تمتاز به بلادنا من خصوبة في تربتها، وتنوع في مناخها وتضاريسها، وهو ما أهلها لتكون جنة من جنان الله في الأرض.

 

ويشير المؤرخون إلى أن اليمنيين القدامى سموا إحدى آلهتهم (الخمرة) وهي ملكة العنب التي يعود تاريخها إلى منتصف القرن الثاني الميلادي، وهذه الآلهة تم طباعتها في العملة اليمنية فئة (20 ريالاً).

 

وذكر الباحث داوود عبدالهادي في دراسة بعنوان: “تاريخ اليمن الاقتصادي من القرن الرابع إلى القرن السادس للهجرة”، مستندا ًإلى كتاب “صفة جزيرة العرب” للهمداني أن العنب كان يتواجد في عدة مناطق يمنية، منها وادي ظهر، وخولان، وخيوان، وأثافت، وريدة، وَشهارة، وكانت الأعناب تحيط بالقرى المنتشرة بين الطائف وصعدة، وعنس بذمار، ووادي عدو ومنطقة مرفق ومطر وجبل تخلى، وأودية النبرة وعبدان وصبر والجنات، في تعز.

 

ويوضح أن العنب كان يتواجد في مأرب بكثرة، والشاهل بحجه، وفي عدة محافظات يمنية.

 

 

 

أصناف العنب

 

وتتواجد في اليمن عدة أصناف، وقد ذكر بن الفقيه الهمداني أهم أنواع العنب في اليمن، ومواصفات كُـلّ نوع منها، وهي: (الجرشي وهو أطيب أنواع العنب وحبه صغير وله عناقيد قد تصل إلى ذراع، وعيون البقر وهو عنب أسود وكبيرة الحب، والسكر وهو عنب كثير الحلاوة، وأطراف العذري وهو عنب أسود وكبيرة الحب والسكر، والضروع وهو عنب أبيض كبير الحب وقليل البذور، وعناقيده كبيرة، والكلافي وينسب إلى كلاف التي يذكر أنها في شق اليمن.

 

واليوم تتواجد عدة أنواع وأصناف من العنب تزيد عن 46صنفاً موزعة على أنواعه الثلاثة (الأسود والأبيض والأحمر)، ومنها (الرازقي وهو الأشهر، والعرقي والعاصمي، والبياض، والزيتون، والحاتمي، والعذري، بيض الحمام، الجوفي، القوارير، الأطراف، الجبري)، وهناك عدة أنواع، ولكنها في الفترات الأخيرة تقلصت بشكل ٍكبير.

 

 

 

مناطقُ زراعة العنب

 

وتوزعت زراعة العنب في عدة محافظات يمنية، ولعل أشهرها محافظة صنعاء، وصعدة، وعمران، والجوف، وهي المناطق التي يتناسب مناخها مع شجرة العنب، وهي المناطق التي ما زالت تهتم بزراعة العنب بكميات كبيرة.

 

وتعد مديرية بني حشيش أشهر المديريات بزراعة وإنتاج أجود أنواع العنب وذلك لما تتميز به من خصبة في تربتها ومناخها الجميل.

 

ويوضح الأُستاذ محمد صالح الحاج مدير مكتب الزراعة والري بمديرية بني حشيش أن المديرية تشتهر منذ القدم بزراعة العنب بمختلف أصنافه، وأشهرها الرازقي والعاصمي، مُشيراً إلى أن المساحة المزروعة بالعنب في بني حشيش تبلغ ما بين 2500هكتار -3000هكتار، وتبلغ كمية الإنتاج السنوي 350 ألف طن تقريبًا، وهذا العدد خلافا ًلما هو موجود في كتاب الإحصاء للعام 2019م- الصادر عن وزارة الزراعة والري.

 

ويضيف الحاج أن مساحة العنب في بني حشيش تزايدت في الفترات الأخيرة رغم ارتفاع تكاليف الإنتاج وخَاصَّة ًالشرعة والأعماد، والتي تمتد عليها أغصان وفروع شجرة العنب، وهذه الطريقة هي ما تتميز به مديرية بني حشيش عن غيرها من المناطق، لافتاً إلى أن التوسع والزيادة في تجديد الغرس وطريقة الغرس الجديدة التي تختلف عن الطرق القديمة والتي تعتمد على تقارب أشجار العنب عن بعضها البعض بمسافة مترين بخلاف السابق والتي كانت المسافة ما بين 4- 5 أمتار، وكذلك استصلاح أراضي جديدة.

 

المزارع حسين ثابت حُميد أحد مزارعي العنب في بني حشيش، أكّـد أن العنب في بني حشيش قديم، وتتميز المديرية بزراعته منذ القدم، موضحًا أن المزارع اليمني لدية خبرة وكفاءه في تربية أشجار العنب ويعتني بها كَثيراً، مُشيراً إن عملية التتريب الذي ابتكرها المزارع اليمني ساهمت في اكتساب العنب جودة عالية، مُضيفاً: إن هذه العملية رغم أنها متعبه إلاّ أن لها اثار إيجابية كبيرة في مكافحة الآفات والأمراض التي تصيب شجرة العنب، مؤكّـداً إنهم في الماضي كانوا لايعرفوا هذه الأمراض والآفات التي ظهرت مؤخّراً ومنها (البياض الدقيقي العسلة) وهي تصيب محصول العنب وتسبب خسائر كبيرة على مزارعي العنب.

 

ويقول المزارع حسين حُميد إن زراعة العنب أفضل بكثير عن القات، وإن لها مردود اقتصادي أكبر من شجرة القات والتي لا يطرح الله فيها البركة، موضحًا أن العنب في بني حشيش يتم تحويلة إلى زبيب، وهو أفضل من البيع عنب، مؤكّـداً أن سعر القدح الزبيب يصل إلى 250 ألف ريال، وَهو ثمن مرتفع جِـدًّا يجعل المزارع يكسب ليعوض خسارته طوال العام، والتي تحتاج شجرة العنب مدخلات ومستلزمات زراعية كبيرة.

 

ويدعو حميد الدولة إلى الاهتمام بشجرة العنب ودعم المزارعين من خلال توفير المستلزمات الزراعية (الحديد، والأخشاب، والمبيدات)، وكذا إيجاد سوق مركزي للعنب، وتقديم قروض بدون فوائد للمزارعين.

 

 

 

التسويق الزراعي للعنب

 

وتتواجد أشجار العنب في مديريات خولان بمحافظة صنعاء، وفي محافظة صعدة وعمران، والجوف، وذمار، والبيضاء، وتعز بكميات قليلة.

 

وبحسب كتاب الإحصاء الزراعي الصادر عن الإدارة العامة للإحصاء والمعلومات بوزارة الزراعة والري للعام ٢٠١٩م- تبلغ المساحة المزروعة ١١٧٨٤ هكتار، وكمية الإنتاج ١٣٤١٨٧ طناً.

 

ويؤكّـد مدير مكتب الزراعة بمديرية بني حشيش محمد صالح الحاج أن أكبر عائق أمام المزارع هو عدم وجود سوق لبيع منتجاته الزراعية، ومنها محصول العنب الذي ينتج بكميات كبيرة في بني حشيش، ولكن لا يوجد نظام تسويقي لاستيعاب كميات العنب المنتجة.

 

ويضيف الحاج أنه تم الاتّفاق مع مؤسّسة الخدمات الزراعية وجمعية القطاع الشمالي على أن يكون سوق ذهبان هو مركز تجميعي للعنب، وأن يتم الاهتمام بمعاملات ما قبل وَما بعد الحصاد ومنها:

 

– عدم قطف ثمار العنب قبل اكتمال النضوج.

 

– تجنب التعبئة الزائدة للسلال حفاظاً على سلامة العنب.

 

– ضرورة الفرز والتدريج عند التعبئة.

 

– ضرورة البيع بالكيلو، واختيار أشخاص من ذوي الخبرة والكفاءة من مزارعي العنب لتحديد سعر العنب، وهذا الإجراء واجه معارضه ورفض شديد من قبل الوكلاء وتجار الجملة، مُشيراً إلى أنه تم إبلاغ الخطباء لتعميم الاتّفاق، وضرورة توعية المزارعين بأهميّة التقيد بما تم الاتّفاق عليه لما فيه مصلحة المزارع.

 

 

 

تحدياتُ تواجه مزارعي العنب

 

ويقول المزارع حسين حُميد أن مزارعي العنب تواجههم تحديات كان لها الأثر الكبير في تدني كميات الإنتاج في بعض المناطق ومنها:

 

– انتشار الأمراض والآفات الزراعية.

 

– ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، ومنظومات الطاقة الشمسية.

 

– ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية (اعماد الحديد والحجار، والشرعة الاخشاب، الاسمدة، المبيدات، انابيب الري).

 

– عدم وجود مراكز إرشادية وتوعوية للمزارعين.

 

– عدم وجود أسواق مركزية للعنب، وعدم وجود ثلاجات وبرادات لحفظ العنب.

 

– عدم وجود ثلاجات نقل خاصه بالعنب لنقله من مكان الإنتاج إلى الأسواق الداخلية، والتصدير خارجياً.

 

 

 

جناتٌ من أعناب

 

وبهدف التوسع في زراعة العنب نفذت اللجنة الزراعية والسمكية العليا ووزارة الزراعة والري، ووزارة الإدارة المحلية، ووزارة التربية والتعليم، وَمؤسّسة بنيان التنموية بالتعاون مع جامعة صنعاء والهيئة النسائية، وملتقى الطالب الجامعي مبادرة “جنات من أعناب” لغرس مليون شتلة عنب في أمانة العاصمة، بمساهمة مجتمعية من قبل مزارعي بني حشيش وخولان الطيال.

 

* الإعلام الزراعي والسمكي

مقالات ذات صلة