إضاءات حول دور الإعلام في مواجهة الفساد الإداري وبناء الدولة العادلة

أ. خالد موسى

إضاءة (1): الدور المحوري للإعلام والسلطة الرابعة

 

الإعلام سلاح ذو حدين ، فهو وسيلة من وسائل الإصلاح أو الإفساد ، وأداة لا يستهان بها من أدوات النهوض والرقي بوعي الشعوب وتعزيز جوانب الخير والعدل والفضيلة في واقع البشرية وتسليط الضوء على الأولويات ومواكبة المستجدات والوقوف أمام التحديات والأخطار المحدقة بالأمة على المستوى الداخلي أو الخارجي وإما أن يكون الصوت والمشهد الإعلامي سببا للسقوط الأخلاقي والقيمي وإلهاء الساسة والنخب والشعوب وإشغالها بتوافه وسفاسف الأمور والانحدار بها في مستنقع التملق والحرص على المصالح الشخصية أو مصالح الشخصيات البرجوازية ذات النفوذ السياسي أو المالي التي تحرص على أن تكون مسار الخطط والبرامج الإعلامية مسارا تزينه عبارات وكلمات التملق وتحسين صورة المترفين والظالمين ممن أقبلت عليهم الدنيا فأعطتهم محاسن غيرهم.

 

تحرص الطبقة الحاكمة على أن يكون مسار الخطط والبرامج الإعلامية مسارا تغلب عليه عبارات المديح وكلمات التملق وبرامج الإنجازات الوهمية التي لا يشاهدها ويقتنع بها إلا الإعلاميون أنفسهم كما كان حال وواقع النظام الاستبدادي السابق في اليمن وكما هو حال الأنظمة الديكتاتورية والملكية.

 

لذا فالإعلام في دوره المحوري وأثره الاستراتيجي إما أن يكون وسيلة لصدق الكلمة وتقديم البرامج والمشاريع الصادقة والهادفة والنافعة والواقعية التي تسهم في إحياء القيم وبناء الدولة العادلة وإما أن يكون وسيلة للكذب والدجل وتضليل وتتويه الرأي العام وتوسيع دائرة نفوذ الظالمين و الفاسدين وتقديمهم للرأي العام كصالحين ومصلحين ورجال دولة مثابرين ومتفانين في خدمة الشعب وساهرين على مصالحه وهم في الحقيقة ساهرون السهر الآخر السهر الذي لا يخدم إلا مصالحهم ، ولا يتوافق إلا مع أهواءهم ولا ينسجم إلا مع رغباتهم ولا يلبي إلا طموحاتهم وشهواتهم ولولا ما يزينه الإعلام ويزوره ويقوم به من سحر للعقول وتلاعب بالعقول والعواطف لما طال أمد الظلم وطالت سنوات حكم الظالمين إلا أن الإعلام كان له دوره التضليلي والتدجيني ورسائله التي ترهب البسطاء وتجعلهم يرضون بالواقع الفاسد والظالم ويطبلون له قال تعالى عن سحرة فرعون والامتداد لهم على المستوى الإعلامي {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} وما أكثر البرامج الإعلامية التي تقدم التضليل والخداع العظيم في عصرنا وتشعل الفتن وتصرف الأمة عن إقامة العدل في الحياة

 

إضاءة (2): فرسان الإعلام والدور المأمول

 

أسست ثورة الــ 21 من سبتمبر لمرحلة ثورية جديدة ، وأحيت الأمل، وقوت إرادة التغيير وأثبتت أن إرادة المؤمنين الأحرار التواقين للحرية والتغيير لا تقهر وجددت العزم في شرفاء اليمن ببناء دولة قوية وعادلة ولا زال الأمل معقودا وقائما بأن تكون هذه الثورة نموذجا راقيا في العدل وتحقيق العدالة الاجتماعية والحد من نفوذ الطبقة البرجوازية ومن ثمرات هذه الثورة إطلاق حملة وحراك إعلامي تنافسي بعنوان فرسان الإعلام الذي تقدم للتنافس فيه مئات الإعلاميين والإعلاميات من عدة محافظات ولا شك أن هذا الحراك سيصب في تحقيق أهداف الثورة ويكون عند مستوى أهدافها العادلة ومشروعها العظيم الذي سيكون لفرسان الإعلام دورهم الإيجابي وبصماتهم الإبداعية في صناعة التغيير المأمول والوصول إلى الهدف المأمول، فللإعلام صولاته وجولاته في الدعوة إلى الخير والشر، وفي التنوير والتدجين، وفي تعزيز قيم النزاهة وأسس العدالة، وتكريس السياسات والمفاهيم التدجينية التي تطبل للفاشلين والفاسدين وتظهرهم بصورة الناصحين والمصلحين وفق سياسات إعلامية تحترف النفاق، وتجعله بضاعة لها، ومشروعا لتوجهها الإعلامي البعيد عن هموم الأمة وأمراضها المزمنة ، وعللها المتوارثة من قبل أنظمة وحكومات مارست الفساد وتربت عليه وقننت له القوانين وربت عليه أجيالا حتى صار أصلا في التعامل والمعاملات المالية والإدارية، فكانت النتائج كارثية والتداعيات خطيرة على مستقبل الشعوب الإسلامية التي تراكمت عليها الأزمات ، وتنوعت فيها الإشكاليات ، وتعقدت في واقعها المعاملات ، وانحرفت المؤسسات عن أداء وظيفتها وتقديم خدماتها كما يجب ، وأهدرت الطاقات والأموال ، ولم يلمس المواطن ما كان يرجوه ويؤمله من تلك الشخصيات الإدارية التي دارت حول نفسها ومصالحها الذاتية والحزبية والحركية ولم تكن بمستوى القيم والأسس الإدارية في المؤسسات والوزارات وهذا ما استدعى التوقف والكتابة عن هذا الموضوع تحت عنوان : دور الإعلام في إصلاح وتصحيح الفساد الإداري والمالي إسهاما ومحاولة متواضعة لتقديم الأسباب والحلول لمن يحملون هم الإصلاح والتصحيح بصدق وجدية وسيستعين كاتب المقال كثيرا بكتاب: (الإعلام والفساد الإداري والمالي وتداعياته على العمل الحكومي للدكتور مصطفى يوسف كافي) ومع الاستعانة بهذا المرجع المفيد وحرصا منا على تقديم الحلول العملية والمجربة سنعزز الجانب النظري بأمثلة وخطوات في الجانب التطبيقي للإصلاح والتصحيح من خلال تجربة الإمام علي في الحكم وإدارة الدولة ومواجهة الفساد المتراكم الذي ورثه بعد الخلفاء الثلاثة وصارت له صولة وجولة أكثر في عهد الخليفة الثالث لكن الإمام عليا (عليه السلام) استطاع أن يقدم النموذج الإداري الناجح ، ويتخذ الخطوات الإصلاحية القوية والصارمة ، ويعيد للإسلام دوره الحقيقي في تحقيق العدل ، ووضع أمتنا ويمننا اليوم يستوجب من التواقين للتصحيح والإصلاح ، والمسؤولين عنه ، وأصحاب القرار أن يستفيدوا من تجربة الإمام علي وسياسته المالية والإدارية نظرا لتشابه الوضعية التي نحن عليها والتراكمات التي نعاني منها ، ونظرا لحيوية القرارات والمبادئ التي أرساها الإمام علي ، وأحياها في الأمة بعد تراكمات وإشكاليات كبيرة ، ولا بد أن يكون للإعلاميين دورهم وأن يبذلوا جهدهم في تسليط الضوء وأعداد البرامج التي تقدم التجربة التاريخية والنموذج التصحيح الذي تبناه الإمام علي وتميز به وصار إرثا للأحرار والشرفاء والمستضعفين التواقين لإقامة العدل وتحقيق العدالة الاجتماعية والإحسان إلى الناس وتيسير أمورهم وحسن إدارتهم وهذا الهدف العظيم هو أحد أسباب ثورة الــ 21 الواحد والعشرين من سبتمبر المباركة التي أزاحت قوى النفوذ ، وأبعدت الفاشلين والانتهازيين من موقع القرار والحكم وجاء دورها لبناء الدولة العادلة وتقديم النموذج الإداري المشرف ويمكن أن يسهم فرسان الإعلام في تحقيق الأمل وتقديم البرامج الداعمة والرافدة لتعزيز الوعي الإداري الذي ينظم العلاقة بين الدولة والمواطن ويجعل الدولة في مقام خدمة الشعب والإحسان إليه وتيسير أموره كما أشار إلى ذلك الشهيد الرئيس الصماد حين قال عبارته المشهورة: من المهم جدا أن نفهم ماذا تعني الدولة؟ إنها دولة للشعب ،وليس شعب للدولة وأضاف في آخر خطاب له قبيل استشهاده قائلا: نحن نعتبر المنصب مسؤولية ويجب أن تسود هذه الروحية لدى جميع مسؤولي الدولة في هذه المرحلة.

 

إضاءة (3): أهمية الوعي والتوعية الإعلامية بمخاطر الفشل الإداري وآثاره السيئة

 

من الأهمية بمكان أن يسلط الإعلام الضوء وبصورة مستمرة في برامجه الإعلامية على المخاطر والآثار السيئة للفشل الإداري للدولة في البلاد الإسلامية وما يمثله من مادة دسمة لأعداء الأمة الذين يسعون لتقديم البدائل والبرامج والرؤى والمبادرات من منظورهم ونظرياتهم الغربية الوضعية التي تتصادم مع سنن الله ، وتتناقض مع التشريعات الإلهية التي شرعها لتنظيم حياة البشرية وإصلاح واقعها قال تعالى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف: 55، 56].

 

إن الإخفاق والفشل في مسؤوليات ومهام إدارة الدولة في الدول الإسلامية يهيئ الساحة للاختراق والتدخل الخارجي وفرض الإملاءات الغربية التي تحرص على التدخل في شؤون الأمة الإسلامية والتحكم بقراراتها الداخلية والخارجية.

 

إن الإخفاق الإداري خطر كبير يتهدد الدول الإسلامية ويفتح المجال للمستشرقين والصهاينة لتوجيه الطعنات والسموم الناعمة من خلال سعيهم المدروس بكل مكر ودهاء إلى إقناع الشعوب والنخب الإسلامية بأن تجربتهم في بناء الدول وتطورها هي التجربة الرائدة والناجحة في إدارة وتطوير الشعوب ولا يمكن أن تسعد وتستقر الشعوب إلا بقوانين الغرب ، وهذا ما يوجب تحركا إسلاميا جادا لقطع الطريق أمام الغرب الماكر وإفشال الاختراق الصهيوني الذي يرمي إلى من نقدم له الشاهد على فشلنا وعجزنا وضعف ديننا وعدم قدرته كدين إلهي على مواكبة متطلبات الحياة وإدارة شؤون العباد والبلاد وتنظيم أمورهم التنظيم الراقي الذي يعكس عظمة الدين وجاذبيته وعدالة مفاهيمه ورقي أفكاره.

 

إضاءة (4) :دور الإعلام في توعية المجتمع بحقيقة الفساد الإداري ومظاهره

 

المجتمع اليمني خاصة والإسلامي عامة في أمس الحاجة إلى الوعي في كثير من شؤون حياته وغياب الوعي يمثل مشكلة من أخطر المشاكل التي تعيق بناء الدول والنهوض بها ولأن الوصول إلى بناء وعي مجتمعي أصبح ميسرا ومتاحا من خلال وسائل الإعلام فإن من المهم أن يسهم الإعلام في تقديم البرامج وعرض الحلقات والفلاشات التي تعرف المواطن بحقيقة الفساد الإداري وأسبابه حتى لا يكون عرضة للاستغلال وضحية للانتهازيين وفريسة سهلة لضعاف النفوس ولذا فمن المهم أن يكون كل مواطن على معرفة ووعي بحقيقة الفساد الإداري والذي يعني :سوء استخدام السلطة العامة بغرض تحقيق مكاسب خاصة والسلطة العامة تعني الوظيفة العامة.

 

إضاءة رقم (5): مظاهر الفساد الإداري وأشكاله

 

يمكن أن يسهم الإعلام بكل وسائله في أحداث ثورة إدارية وتقديم جرعة وقائية للمجتمع والدولة التواقة للتصحيح والبناء من خلال اهتمامه بتناول مظاهر الفساد والإشارة إلى أشكاله حتى يكون كل مواطن على بينة من أمره بعيدا عن ممارسة هذه الظواهر السيئة والمحرمة ومن هذه المظاهر:

 

قبول أو طلب الرشوة ، أو العمولة بجميع صورها

اختلاس المال العام والتحايل عليه

وضع اليد على المال العام

ممارسة الفساد في عملية الشراء أو تنفيذ المشاريع

القيام بعملية التزوير في الأوراق الرسمية

المحسوبية بشتى صورها

الوساطة

استغلال الموظف العام لانتمائه الأسري أو القبلي أو الحزبي …ألخ لتحقيق بعض المزايا والمكاسب من الوظيفة العامة التي يشغلها دون مراعاة المصلحة العامة.

استغلال الموظف العام لموقعه الوظيفي للانفراد والتمتع بالكثير من المزايا والمنافع التي من المفترض أن تعم فائدتها العديد من المستحقين لها ، مما يؤثر سلبا على الرضى الوظيفي وبالتالي على الأداء.

المخالفات التي تصدر عن الموظف ، مثل إفشاء أسرار العمل ، أو الإخلال بواجبات الوظيفة أو القيام بأعمال مخلة بالحياء في أماكن العمل ، أو ممارسته لأعمال أخرى خارج نطاق عمله ووظيفته تؤثر سلبا على أدائه في وظيفته وعمله الأساس([1]).

 

إضاءة رقم (6): أهمية تسليط الضوء على سياسة الإمام علي الإدارية وإصلاحاته الصارمة

 

بما أن ثورة 21 الواحد والعشرين من سبتمبر وقيادتها المباركة مرتبطة بولاية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، وتحرص القيادة على تقديم مفهوم ومبدأ الولاية التقديم المتكامل الجوانب لاسيما في ذكرى الغدير التي أصبح لها حضورها الإعلامي بعد غياب طويل و كان ولازال لخطاب السيد القائد فيما يتعلق بالولاية ومسؤولياتها التربوية والسياسية والإدارية وتعد تجربة الإمام علي السياسية والإدارية تجربة رائدة وفريدة ومتميزة في تاريخ أمتنا وتمثل مرجعا لكل الثوار والأحرار التواقين لتصحيح الاختلالات ولا بد أن يكون للإعلام إسهامه في تناول تجربة الإمام علي وتذكير المسؤولين والحاكمين بها حتى يكون لذكرى الولاية معناها الحقيقي وثمرتها التي يتطلع إليها المستضعفون ويغتاظ منها المستكبرون وسنشير إلى بعض السياسات الإدارية الصارمة التي قام بها الإمام علي عليه السلام والتي (تميزت سياسته الإدارية بعدم المداهنة مع الباطل وعدم القبول بأنصاف الحلول([2])) ومن أبرز الخطوات الإدارية الصارمة التي اتخذها الإمام علي لمواجهة الفساد والمفسدين

 

عزل الولاة الفاسدين

 

حرص الإمام علي عليه السلام على تقديم النموذج الإسلامي الراقي والنظيف في القيام بأمر الأمة وإدارة شؤونها الإدارة الناجحة والقوية وأول قرار اتخذه عزل الفاسدين وعرى رأسهم معاوية بن أبي سفيان لأن بقاءه وأمثاله يمثل عائقاً من عوائق الإصلاح الإداري (ولا يمكن أن يستقيم الظل والعود أعوج) وكذلك لا يمكن أن يتحقق إصلاح مع وجود رموز فساد تغذيه وتدعمه ولذا تروي كتاب السير أنه لما بويع أمير المؤمنين بلغه: أن معاوية قد وقف من إظهار البيعة له وقال: إن أقرني على الشام وأعمالي التي ولانيها عثمان بايعته. فجاء المغيرة إلى أمير المؤمنين فقال له: يا أمير المؤمنين ؟ إن معاوية من قد عرفت وقد ولاه الشام من كان قبلك فوله أنت كيما تتسق عرى الأمور ثم اعزله إن بدا لك فقال أمير المؤمنين: أتضمن لي عمري يا مغيرة فيما بين توليته إلى خلعه ؟ قال: لا. قال: لا يسألني الله عز وجل عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبدا، وما كنت متخذ المضلين عضدا، لكن أبعث إليه وادعوه إلى ما في يدي من الحق، فإن أجاب فرجل من المسلمين، له ما لهم، و عليه ما عليهم، وإن أبى حاكمته إلى الله..

 

الصرامة في المساءلة

 

لنتأمل في هذا النص المهم والعظيم للإمام علي عليه السلام الذي يعتبر درسا عمليا ونموذجا يقتدى به في التعامل مع من تسول لهم أنفسهم أن يفسدوا ويختلسوا ثروات الأمة ويتلاعبوا بأموالها ويخونوا أمانتها

 

فمن كتاب له (عليه السلام) إلى زياد ابن أبيه وهو خليفة عامله عبد الله بن عباس على البصرة وعبد الله عامل أمير المؤمنين (عليه السلام) يومئذ عليها وعلى كور الأهواز وفارس وكرمان وغيرها: (وَإِنِّي أُقْسِمُ بِاللَّهِ قَسَماً صَادِقاً لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ خُنْتَ مِنْ فَيْ ءِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئاً صَغِيراً أَوْ كَبِيراً لَأَشُدَّنَّ عَلَيْكَ شَدَّةً تَدَعُكَ قَلِيلَ الْوَفْرِ ثَقِيلَ الظَّهْرِ ضَئِيلَ الْأَمْرِ وَالسَّلَامُ).

 

ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى زياد أيضا: (فَدَعِ الْإِسْرَافَ مُقْتَصِداً وَاذْكُرْ فِي الْيَوْمِ غَداً وَأَمْسِكْ مِنَ الْمَالِ بِقَدْرِ ضَرُورَتِكَ وَقَدِّمِ الْفَضْلَ لِيَوْمِ حَاجَتِكَ أَ تَرْجُو أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ أَجْرَ الْمُتَوَاضِعِينَ وَأَنْتَ عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ وَتَطْمَعُ وَأَنْتَ مُتَمَرِّغٌ فِي النَّعِيمِ تَمْنَعُهُ الضَّعِيفَ وَالْأَرْمَلَةَ أَنْ يُوجِبَ لَكَ ثَوَابَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَإِنَّمَا الْمَرْءُ مَجْزِيٌّ بِمَا أَسْلَفَ وَقَادِمٌ عَلَى مَا قَدَّمَ وَالسَّلَامُ).

 

إن تسليط الإعلام الضوء لمثل هكذا سياسة ، واهتمامه بمثل هكذا قرارات ووقوفه عندها بالتحليل يعتبر رسالة إعلامية قوية لمواجهة الفساد والمفسدين وإحياء ضمائر المواطنين وبناء ثقتهم وتقوية جرأتهم على مواجهة الانتهازيين والمختلسين.

 

إضاءة رقم (7) دور الإعلام في تقديم الولاية بمفهومها القرآني

 

يتضمن كتاب ( الولاية بالمفهوم القرآني ضمانة لحماية الأمة من الاختراق ) سلسلة محاضرات مهمة ألقاها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي من العام (1433هــ – 1440هــ ) في ذكرى الولاية ويشير السيد القائد في كلمته حول هذه المناسبة للعام (1433) إلى الدور العظيم والنموذج الراقي الذي قدمه الإمام علي من موقعه في الحكم والقرار قائلا: ثبت أنه عليه السلام بمستوى المسؤولية ، كان في مستوى المسؤولية، يتعامل من موقعه في الخلافة يشعر بالمسئوولية ، لا طامعا ، ولا يعتبرها مغنما، ولا يعتبر السلطة ولا ولاية الأمر مغنما ومكسبا للتسلط وجمع الثروة .كلا ،يعتبرها مسئوولية لإحقاق الحق ، لإقامة العدل ، لبناء الأمة ، لهداية الأمة ، لتزكية أنفسها، لبناءها بناء عظيما قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) بِذِي قَارٍ وَهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي (مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ فَقُلْتُ لَا قِيمَةَ لَهَا فَقَالَ ( عليه السلام ) وَاللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا).

 

يقول السيد القائد: لا قيمة للسلطة إلا إذا كانت وسيلة لخدمة الأمة، إذا كانت للرحمة بالناس، إذا كانت لهداية الناس بعيداً كل البعد عن الظلم، متورعاً يخشى الله، يخشى الله في عباده ورحيماً بالناس وهو القائل (والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهداً وأجرَّ في الأغلال مصفداً، أحب إلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد أو غاصباً لشيء من الحطام، وكيف أظلم أحداً لنفسٍ يسرع إلى البلى قفورها ويطول الثرى حلولها) وهو القائل (والله لو أُعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت) عدل حقيقي، الأمة التي ترزح تحت الظلم، الأمة الإسلامية التي تعاني من ظلم ما حل بمثلها على أمةٍ من الأمم، ما حل بمثل ذلك الظلم الذي تعاني منه لأنها ابتعدت عن ذوي العدل، عن ذوي الرحمة حتى صار وضعها على ما هو عليه، وعندما كان يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين لم يقاتل لتثبيت سلطان، ولا طمعاً في جاه، ولا طمعاً في مال، وهو القائل ( اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسةً في سلطان، ولا التماس شيء من فُضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك) وحينما كان ينادي في الأمة يدعوها لنصره، لتثبيت العدل، لإقامة الحق، للتأسيس لمستقبلٍ قائم على العدل والحق والخير لهذه الأمة فيتخاذل عنه الكثير من الناس ولا يستجيبون صم بكم عميٌ، كان عليه السلام يدعو الله فيقول ( اللهم أيما عبد من عبادك سمع مقالتنا العادلة غير الجائرة، والمصلحة في الدين والدنيا غير المفسدة، فأبى بعد سماعه لها إلا النكوص عن نصرتك والإبطاء عن نصر دينك فإنا نستشهدك عليه بأكبر الشاهدين شهادة، ونستشهد عليه جميع من أسكنته أرضك وسماواتك، ثم أنت بعد المغني عن نصره والآخذ له بذنبه) وهكذا كان عليه السلام في مستوى المسئولية واعياً بها، لا طامعاً بحكم ولا معتبراً لها مغنماً، من هنا نفهم أهمية ولاية الأمر في الإسلام وأنها يجب أن تكون امتداداً لولاية الله خاضعةً للمعايير والمؤهلات التي حددها الله، من يلي أمر الأمة، هذه أمة مسلمة نحن مسلمون من يلي أمرنا يجب أن تكون عنده رحمة، وحكمة، يجب أن يكون عارفاً كيف يربي الأمة، كيف يبني الأمة، كيف يطور حياتها، كيف ينمي اقتصادها، كيف يزكي أنفسها، كيف يواجه أعدائها، وعلى أساس دينها، وعلى أساس منهج ربها، لأن لولاية الأمر صلة وثيقة بإقامة الدين ولهذا قال الله لنبيه محمد {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}.

 

([1]) محاضرة جامعية على النت بعنوان : السلوك التنظيمي الفساد الإداري

 

([2]) قبسات من الثقافات الإدارية في نهج البلاغة

مقالات ذات صلة